علامات استفهام تدور حول الرأس

في مجموعة (محمد والذين معه)

للشاعر محمد مظلوم

أديب حسن محمد

جريدة الثورة السورية 23/8/2000

 

يحاول الشاعر العراقي محمد مظلوم في ديوان "محمد والذين معه" تقديم أنماط جديدة من التشكيل الشعري ورؤية العالم من خلال عدسة الروح، ويستمر الشاعر في إضفاء الألق والفتنة على قصائده التي تغرف من عمق الحالات الإنسانية فتستنطقها وتقدمها بقوالب مغايرة.

إن غنى الصور الشعرية والشحنة الهائلة من المفردات التي يسخرها الشاعر يساعدان على رسم مشهد بصري مترامي الأصقاع. يقول في قصيدة يخاطب فيها الموت:

"صديقي أيها الموت

ها أنت تعيدني إليك من أمومة مشاعة

ها أنت تشبخ من فوق ظلال أبنائك النائمين

لتسطو على امرأتك

وتنجب منها زوجة لي

ها أنت تأخذني من حسد وجيز

فأستيقظ منك كي أنام" ص7.

ومما يلفت النظر في قصائد محمد مظلوم، توظيفه للسرد الشعري الذي لا يشتت الفكرة، فالأزمة تبدو متأصلة في نصوصه كعاصفة تهب في أصقاع الفكرة فتزيدها تقلباً واختلافاً:

"أتذكرك في عيون أصدقائي

هبطت فيها سبع سماوات

وأيديهم التي سقطت منها بقية الأرض" ص8.

ويحاول الشاعر الجمع بين الماضي بشخصياته وأساطيره وبين الحاضر بهمومه وانكساراته، يجيء بكلكامش إلى إحدى المدن العصرية مثلاً حيث يتقمص الشاعر أحياناً أنكيدو أو كلكامش:

"كان علي ـ دائماً ـ أن أسجن ظلي

لأصل قبل أن يتكرروا في؟

أكان علي أن ألونه

لكي يعبروا منه إلي" ص17.

ويبرز التغرب ليلقي بأستاره على المفردات والصور والأفكار وهو تغرب مزدوج ـ تغرب مكاني يفرضه ترحال الشاعر نفسه، تغرب نفسي يعيشه في أعماقه:

"واقفون وفي أيديهم ذكرى الأبد

على أن نهراً منتحراً

أعاد أزهار الاعتذار لأبطال الفرات

وسوى ذلك..

حرائق مستمرة تنحت حياتهم" ص16.

هناك بين ثنايا القصائد فسحة للقارئ كي يشترك في بناء الفضاء المعنوي للنص، الشاعر لا يخاطب قارئاً سلبياً أو محايداً بل يخاطب ملكات التخيل في عقل المتلقي بواسطة نوع من الامتاع في صوره الشعرية مما يزيد فسحة الفضاء الذي تدور فيه المعاني المحتملة للجملة الشعرية:

"أنام كمن لا ينام فيعبرني النائمون

كما الجسر، يستيقظ النوم في

فتصرخ آثارهم عندما يأفلون" ص32.

في قصيدته "هجاء الموتى" يقدم الشاعر قصائد قصيرة بعناوين يأخذها من العبارة الأولى لكل قصيدة وهي تجربة تشبه ديوان ورد أقل لمحمود درويش مع التباين المعنوي بينهما. يقول في مقطع عنوانه "يغارون من المي":

(يغارون من ألمي

رغم أنني لست ابناً وحيداً للحزن

رغم أن أباهم

ينام كل ليلة مع ماضيه

لكنهم يولدون دون ذكريات) ص39.

في تصاعد درامي يتشكل المشهد الشعري عند مظلوم بكثير من الحساسية مع هوامش وتفرعات تغني الفكرة ومن ثم ينهي القصيدة بصدمة أو سؤال كبير يظل يتردد صداه في نهاية القصيدة:

(كأن الليل ينجز ابناً أخيراً له

والقطط المسنة أوصلت كانونها إلى آخره

وليس ما يلي ذلك

غير فرصة أخيرة لتوقيع سيرة جاهزة للتحريف

فمن دليلي إلى المتاه الآخر؟!) ص65.

إن النهايات المفتوحة التي تختم النصوص، تترك الكثير من التساؤلات بعد القراءة. ولا شك أن هذه سمة الشعر، فالشاعر هو الذي يثير الأسئلة، الشاعر ليس منظراً لا يضع البديل كما يقول سليم بركات لكنه يتركك تنام وحول رأسك علامة استفهام.

(يد الفوضى أوصلتك إلى مكان ينتظرك

وكان ظلي لا يتذكر وجهك

ولم يخبرني أحد

 

بأن علي أن أتبع تأخري لأصل) ص71.

عودة الى آراء و دراسات في تجربة الشاعر