صادق الصائغ

علينا أن نلقي الأثقال قبل التوجه إلى نهر الشعر

 

ملحق الثورة الثقافي

العدد 25

25/8/1996

 

صادق الصائغ إنسان ملوّن، كما يقول هو عن نفسه، ومتداخل أيضاً، وهذا ما جعله غير متفق عليه في التصنيفات الأدبية والفنية، وحتى هذا الحوار الذي يتجه إلى الجانب الشعري من تجربته، سرعان ما تتدخل في توجيهه الصورة أو الحرف أو اللون. فإضافة إلى كونه شاعراً اختار المغامرة في الكتابة، فهو رسام وخطاط بارع، وايضاً له كتابات في النقد السينمائي والتشكيلي والمسرح. وللأخير أعد مسرحية عنوانها "البيك والسائق" الحاصلة على جائزة المسرح العربي في دمشق 1973 ـ وله كذلك ترجمات عن الانكليزية والتشيكية.

يقيم في لندن، ويزور دمشق حالياً لإصدار كتابه الشعري الجديد "أنا التراب" ويستعد لإقامة معرض. هنا حوار معه:

ـ في ديوانك الجديد "أنا التراب" حضور واضح للموت بأشكاله المختلفة، وحولها سيتركز سؤالي:

تقول في القصيدة التي حملت عنوان المجموعة:

"أنا التراب،

عظامي تتهيج بأنفاسك".

هل القبر هنا أنثى، خارج دلالات القاموس، وهل للموت متعة الأنثى كما تتصور؟.

* المتعة، أو العذوبة عنصر ضائع، وبحثي يتعقب هذا الضياع. أما الأنوثة فقد ازداد يقيني بأنها الرحم وإذا أردت أن أتكلم عن الملموسات، أقول هي: أمي، الشجرة، حبيباتي، لكن الحرب مثلاً ليست أنثى كما جاء في القاموس، انها أقصى درجات الذكورة في قاموسي.. وأحياناً هي الإنسان.

ـ في حدود تجربتي معها، أعتقد أنها أنثى، فهي تتشهى الرجال، تستدرجهم وتأكلهم وهي بهذا تعيدنا إلى الأرض الأولى؟.

* الحرب عارض قسري، لكن الموت الناتج عنها هو الإشكالية، وهو العودة إلى مسقط الرأس والقاموس يخطىء أيضاً في نسبة الموت إلى الذكورة. إحساسي بالموت يجعله مؤنثاً، بما يدع إمكانية التفاهم بيننا قائمة كما لو أننا شخصان نعرف بعضنا بشكل جيد.

القصيدة تبدأ بشطر محذوف هو: أنا الموت. لكن الغريب حقاً انك قرأته وكأنه جزء من القصيدة. وهذا يؤكد أن العلامات غير المكتوبة في القصيدة بالإمكان قراءتها ولذلك حذفت "أنا الموت" التي وصلتك تماماً.

ـ إذن، لماذا تريد أن تكون أكثرهم موتاً في قصيدة "لا" ولماذا هذه "اللا" لشخص يمكن التفاهم معه؟.

* علاقتي مع الموت علاقة جدلية أحياناً أراه متقاطعاً في خطوط أصابعي وأحياناً أحسه يهاجمني بعدوانية مرعبة، هذه المعادلة الحساسة تشغل الإنسان فلسفياً منذ القدم، لذلك فلا أحد يحب موته لكن يبدو أنه عنصر من عناصر الوجود الإنساني، عنصر مثل التراب والماء.. من هنا فإن لعبة الموت، تأجيله وحضوره وغيابه، هي ذاتها لعبة الشعر، وهي جوهر العذاب الإنساني.

ـ "اللا" إذن حياة أخرى غير متحققة (ربما أكثر موتاً من الموت) كما تقول؟.

* تماماً هكذا، هي الاحتجاج ضد العبودية، هي بالضبط تعني النقيض: الحرية، إذ دائماً ثمة من يريد استبعادك لكنك لا تستسلم، الإنسان هو القوة الوحيدة التي تعي أنها ستموت ومع هذا يتعامل مع الموت بعقلانية، لكن التراجيديا تبقى قائمة، فحتى هذا السلاح الجبار "الإنسان" سيتساقط أمام الموت. فما يبقى هو الاحتجاج، وكلما تصاعد احتجاجك ضد الموت فأنت تعبر عن تصاعد وعيك به.

ـ لكن ألا يتحول هذا الوعي بالموت إلى جحيمية داخل الحياة نفسها؟.

* الحياة مقاتلة متواصلة ضد الموت وتحد له، لكن الوعي هو الذي يدلك على عبثية هذه المقاومة. وهنا تكمن التراجيديا، أو الجحيمية التي أشرت إليها. القصيدة هي الاحتجاج الذي يبقى حتى ما بعد انتهاء هذه التراجيديا.

ـ إضافة إلى الموت الشخصي ثمة أيضاً موت خارجي: "امرأة ميتة قتلاً فيها استعادة لدزدمونة وبلاد ميتة ببدلة عسكرية، وأيضاً هناك الطفل الذي أكله الذئب؟" لكأن الموت يتحقق بنا تدريجياً منذ حلوله في الآخرين، فكيف نقاومه؟.

* في كل أشكال الموت في قصائدي، دفاع عن الحياة، وهي شجب للعدو وتحد له، في كل قصيدة يأخذ الموت شكلاً مختلفاً في "أوفيليا" الموت يتحدى البراءة أما البراءة أو العدالة فهي تظهر طافية فوق الماء في قصيدة أخرى تجد الحرب حيث البلاد تتسلح لكي تنتحر!.

أشكال الموت هذه، في جانب كبير منها، يومية، وهي، على الأغلب، نتاجات عصر وحشي. لكن الفلسفة تتعامل مع الموت كقدر ومصير وبالتالي فإن هناك مستويات متعددة لتعاملي مع الموت، لكن في مطلق الأحوال هي تعبير عن رفض الموت ومقاومته.

ـ ومن المضمون أنتقل إلى المستوى الفني، فمقارنة مع "نشيد الكركدن" مجموعتك الأولى سنجد ديوانك الأخير مختلفاً بشكل جذري وكذلك سابقيه، فاللغة هناك كانت أكثر إشراقاً ووحشية، والصورة أكثر هياجاً لكنها هنا أصبحت لغة بسيطة ومتأملة أيضاً تخليت عن البعد الإنشادي لصالح القصيدة؟.

* بالنسبة لي لا توجد لغة غير لغة الشعر، أما القاموس فقد أضحى برأيي مقتنى عتيقاً واللجوء إليه يعني لجوءاً إلى العالم العادي اليومي. أنا الآن أقرأ استشفافات خارج اللغة العادية إذ لا توجد لغة إلا حيث توجد القصيدة صيغة تشكل اللغة لم أعرفها سابقاً ولا أعرفها الآن ولا أعتقد بأنني سأعرفها لاحقاً.

البوصلة التي تشير إلى وجود اللغة تعمل فقط بعد إنتاج القصيدة لغة الشعر صورة مرسومة بآلاف العناصر الغائبة، وعندما يتحقق تفاعل لا أعرف أوصافه ـ ينشأ حس يكون هذه لغة أو ليست كذلك.

"نشيد الكركدن" كان عملاً فيه جانب من الغنائية حملته معي من الخمسينات إذ نشرت في الخمسينات (في الآداب مثلاً) شعراً غنائياً يقترب من غنائيات الرواد، لكنني لاحقاً صرت أمام اعتقاد أن هذه اللغة ليست لي. هذه اللغة الغنائية بقيت منها آثار في "نشيد الكركدن" ومع هذا فقد كان النشيد محاولة وحشية كما أسميتها، ومحاولة لفتح باب مغلق أمامي، ولكن يبدو أن محاولتي هذه كانت تنطوي على لغة انعطاف من عناصرها الغناء وقوة المفردة القاموسية عندما تحصل على السحر.

لغتي الآن أكثر غياباً لكنها أكثر وضوحاً، هناك عملية تنظيم في اللا شعور حيث المركز الاساسي واللغة الخاصة التي تختلف عن لغة الوعي ـ في النشيد يتجلى اللا شعور ـ بمعناه الفرويدي ـ وهو مقطع، وبعضهم يعتقد أن هذا أكثر صدقاً.

حالياً أخضع سرياليتي السابقة لمفهوم آخر، فهي موجودة في قصائدي الحالية ولكن بوصفها مفهوماً واقعياً مؤولاً ومستدعى، فأنت تقرأ لغة عادية لكنها تتحول إلى شيء مختلف ينسيك أنك كنت تقرأ لغة بمواصفات ما، لا أحب الكتابة عندما تكون فيها اللغة ضد الكاتب ويكون الغموض ناتجاً للغة فالإيغال في الإنشائية يغلق المنافذ ويمنع الرؤية.

اتجاهي الحالي معاكس، فلا فخامات، لا بلاغات، وليس للغة عندي دور أكبر مما تحتاجه القصيدة.

ـ وماذا تقول في التأكيدات على أننا قد نستطيع وصف الشعر بأكثر من صفة، ولكن يبقى الوصف الأمثل هو: المجاز والاستعارة. أعتقد أن لا مناص للشعر من الاشتغال داخل البلاغة؟.

* أساس الشعر هو المجاز والاستعارة، لكن عند التنفيذ ينبغي أن تتحول الاستعارة إلى صورة: صورة بصرية أو ذهنية أو حتى تجريبية، لكن دون أن تعتمد على اللغة عنصراً وحيداً، المشكلة تكمن في كيفية خلق موازنة ذات حساسية متى ما غابت ـ الحساسية ـ طفح أحد العنصرين وفسدت القصيدة لذلك أعتقد أنه كلما خفت اللغة وشفت وأصبحت أثيرية امتلكت القدرة على رؤية الشعر.

ـ هذا معناه أن هناك جانباً غائباً في اللغة تريد الإشارة إليه وتتقصد الإيحاء به؟.

* أنا أكره الكلام لأنه أداة نفعية، ولكنه مشترك لدى الجميع. أعتقد أن اللغة ينبغي أن تتحرر من الكلام وبحثي يتجسد في الضوء الشعري أحياناً حساسية بيت واحد تعادل ألف قصيدة.

ـ أهذا كان المبرر لإلغاء التراكم في الكلام، والمتداول منه، الذي حدث في نشيد الكركدن، والعدول إلى اللغة الباطنية؟.

* في "نشيد الكركدن" كان هناك سعي وتبعية للغة، مع وجود العنصر الذي جذب المهتمين إليه، وهو كسر السياق المعتاد للغة، الآن أحس أن في اللغة الكثير من الأثقال وينبغي علينا إلقاء الأثقال قبل التوجه إلى نهر الشعر علينا أن نكون عراة تماماً.

هناك أيضاً مشكلة التعامل مع اللغة بأحاسيس قديمة، فللغة مشاعر تأسست بالتبادل والتفاعل لكننا أحياناً لا نعي مشاعر العصر، فنتورط في توصيف نمط مشاعر الأسلاف. اللغة تحتاج إلى من يفحص مشاعرها الحالية ويكتشف جماليتها وبالتالي يؤسس للغة شعرية من هذه العناصر.

لغتي الآن ذات قاموس سائد لكن لو قيست بالحساسية فستجد السر.

ـ والقصر في هذه القصائد؟ ألا يشير إلى مرجعية قصيدة النثر الأوربية والفرنسية تحديداً التي تعتمد الإيجاز والحصر، وشدة التأثير، والوحدة العضوية؟.

* لا مرجعية لدي سوى خصائصي الشخصية ولدي قناعة أنني تخلصت من لغة الأزقة والحارات وأعيش الآن حالة شمولية تتفاعل فيها المصادر ولدي أمل بالاستيعاب.

القصيدة بمفهومي الحالي هي لحظة شعرية زائغة ولها زمن أقصر حتى من زمنها الميكانيكي، والإمساك بها يقتضي الاشتعال وإطالة هذه اللحظة هو في غير صالح القصيدة والصدق معاً.

فعندما تعبىء هذه اللحظة الشعرية بالكلام أو باللغة القاموسية تسقط وتبتذل فالقصر هو ناتج مضمون أو فكرة لا يمكن أن تمتد حتى تولد نفسها أو تعيش على قوتها السابقة أو تنتهي.

قصر قصيدتي هو منظور جمالي وهو معرفة موضوعية كذلك لكنني أعتقد أن قصيدتي طويلة في عمقها ومضمونها الفلسفي ومتى ما تحقق فيها ذلك خرجت عن القصر.

ـ يكثر الحديث عن شعر المنفى لكنني أعتقد أن هذا الشعر لم يحقق هويته بعد، فهناك شعراء في المنفى لكنهم لم يكتبوا شعراً يعي المنفى وجودياً بل صاروا يأتلفون مع كتابات سائدة في أماكن وجودهم؟.

* المنفى على الأغلب، مكان جغرافي له مواصفاته التي ليس بوسع الإنسان الهروب من مواجهتها، كل تضاريس هذا المكان تنعكس على روح المنفي، معنوياً ومادياً فتشكل تجربته وثقافته بخصائص هذا المكان.

الشعر العراقي، كما أعتقد، محصور في كان جغرافي حتى صار الوطن مثل ممتلك مفقود لكن الإنسان بفعل تجربته وبفعل تداخل الثقافات واختراق الزمن لروحه، تصبح رؤياه للمنفى فلسفية وليست جغرافية ليتوصل إلى أن الكون كله منفى وهذه الإشكالية تبدأ تدكه من الداخل ليصبح للمنفى بالتالي مستوى وجودي وتصبح معالجته بالمستوى ذاته أيضاً.

فالعراقي عندما خرج من وطنه، حمل مسؤولية النفي إلى الآخر، لكنه الآن ربما يشعر بأنه أسهم في صنع منفاه وهذا شعور مزدوج وإذا أضيف له المنفى الوجودي، فإن كل هذا من المفترض أن يمنح الشاعر القدرة على تمثيل إشكاليته للآخر. لكن المؤسف أن هذا الشعور مازال في حدود العذاب الشخصي ولا يصل إلى الآخر، وإذا ما وصل فبحدود نسبية وباعتقادي أن القصيدة لا تتحدى منفاها وقدرها ومصيرها إلا بكسرها لهذه الأطر لتعلن حريتها واحتجاجها على كل أشكال الحصار وبضمنه الموت الذي يتعرض له الفرد أو الجماعة.

ـ تجربة صادق الصائغ بقيت في هامش الشعرية العربية ذلك الهامش الذي ينزع إلى المغامرة والتجريب بعيداً عن المتن لكنه يغني المتن بشكل ما.. فتجربة شاعر مثل انسي الحاج، برأيي، هي تجربة الهامش الذي ينطوي على قدر من الحرية في الكتابة فيما تندرج تجربة أدونيس في المتن ونجاحها مستمد من طبيعته التراكمية.

* أنا سعيد لأنني طوال مسيرتي الشعرية منزو وهامشي ولا أتحمل مسؤولية المتن وأشعر أن وجودي داخل الهامش هو حريتي التي تناسبني تماماً وأستطيع التجريب داخلها. لا أحب أن أطالب بشيء ولا أسعى إلى أن أوصف بالشاعر، ولست واثق دائماً إنني أكتب الشعر لكن لدي زاويتي وغرفتي الخاصة التي أستطيع فيها أن أخرب كل شيء وأعيد ترتيبه من جديد وبسبب قلقي فإن لدي، في كل يوم رأياً وهذا لا يناسب الآخرين، وفي ما يتعلق بـ"الهامشي" فإن ثمة تحولاً في تفسيره بفعل المعرفة والثقافة ودخول أنماط جمالية مختلفة، وحالياً المشهد مكتظ ومتداخل ولا تعرف من هو الهامشي ومن هو غير الهامشي وبشكل عام فإن النمطية منكرة حتى من قبل الشعراء النمطيين أنفسهم لأنهم يعرفون أن التنوع هو إحدى خصائص هذا العصر ولأن القصيدة القديمة تمثل شكلاً إرهابياً واغتصابياً لا يقر بوجود الآخر. بهذا الفهم أرى أن رأيك في مكانه، وشخصياً تستهويني تجربة أنسي الحاج رغم اعتقادي أنه انتهى كشاعر لكن مغامرته بقيت فاعلة، وأعتقد أنه يمثل خطوة أساسية بكل أخطائها، خطوة أساسية في رفض التنظيم السابق للشعر وفي فحص خريطة أخرى جديدة أقرب إلى الروح وأقرب صياغة يبحث من خلالها الشاعر عن مصادر الحرية، قصيدة أنسي الحاج تنزعج من حضور اللغة بمستواها السائد وهو أيضاً شاعر غير لغوي، انه شاعر تخريبي ورغم المآزق التي مرت بها قصيدته لكنني أعتقد أن هامشيتها مستقبلية وأن المعادلة ستنقلب يوماً ما.

ـ صادق الصائغ سيناريست وفنان تشكيلي أيضاً أين المشهدية واللونية في قصيدتك؟ ولماذا تمارس الشعر بمعزل عن تداخل الفنون؟!.

* الصورة هي لغتي الأساسية في كل ما أمارسه فعندما أقول: "أكلت قلبي عندما التفت" مثلاً فهذا يصلح سيناريو لفيلم تستطيع أن تتطيف مع الصورة فتراها سينما أو لوحة أو لغة مكتوبة بعناصر لغوية، لذلك أشعر أنني متداخل، لكنني لا أتقصد الوسائل عندما أكتب. فأنا عندما أكتب لا أبصر، القصيدة كاختراع لا أعرف عنها شيئاً إلا عند الحدوث فجأة أجد نفسي إزاء تجمع لوني أو لغة تنزف أو أرى بصريات أو طيوفاً فلا أتعرف على الوسيلة إلا باستخدامها ولا أتأكد من خصائصها إلا بعد ظهور الشيء فحين أخترق الجدران المستحيلة للشعر يحصل إنني أجد آثاراً لفنون أخرى، فأعرف أن معناي الشخصي يرى في بؤرة تجميعية لهذه العناصر.

أنا أعتقد أن الشعر لغة بصرية وأنا من الناس الذين يبصرون في الليل، وبصيرتي تنشط في الظلام.

ـ وهل تتحقق الشعرية لديك في الإبصار الملون في الظلام، هل ترى الكلمات ملونة كذلك؟.

* مرة في الكركدن، مرة في الفراغ، ومرة في اللون الأبيض. هناك مخزونات شعرية دائمة، أعتقد أن الشعرية موجودة إذا كانت لديك عين مبصرة.

ليس للشعرية شكل وصيغة ثابتة فمن الممكن أن تحسها في زهرة أو حذاء. فان كوخ مثلاً خلق من الحذاء شعرية حاضرة إلى الآن ولذلك عندما أقول:

"أنت حذاء أسود يضرب على تراب النسيان؟

يضرب على هذه الأرض

التي ظننت أنني رقدت تحتها

آلاف السنين"

عندما أقول ذلك أريد نقل الشعرية واستمرارها من اللون إلى الكلمة، أنا أشعر بأنني إنسان ملون، واللون رؤيتي الخاصة.

الألوان عندي متحررة من مفهومها القاموسي أو من مرآها البصري، فالأخضر مثلاً، قد يعبر عن الموت، فأعشاب المقابر خضراء، والوصف الخارجي لا يعني لدي شيئاً، وفستان السهرة أسود، لكنه لا يعني لون الموت.

أين الشعرية، أين اللون، أين الكلمة؟ أنا مستسلم، لذلك لا أرى شيئاً. وإذا رأيت فإنني لا أعرف "الشيء" حسب القياسات التي أعطيت لي لهذا لا أجد نفسي في حاجة إلى خلق وصف جديد، وهذا الوصف لا يعرفه الآخر ولم نتفق عليه، لكن نتفق عليه فقط داخل القصيدة أو داخل اللوحة.

حاوره: محمد مظلوم

حوارات مع شعراء عراقيين