المــوت بين نهرين

 

 

كلكامش لمْ يحظَ بموتهِ في المرآة،

فخرج إلى نومه، حياً وبكامل حروبه،

حيث سبعون أنكيدو وأكثر، تركهم نائمين،

مِن أوّلِ الفراتِ إلى شرقِ دجلة.

، نظّارته، وجواز سفره،

وساعته التي تأخرت ـ قليلاً عن النوم ـ

هي ما يجعلني قادراً على رثائه.

 

، ولم أجده على السطح،

حيث تركته يطيـِّر الطائرات الورقيـَّة،

والطـِّيورَ التي لا تعود.

فمن يخرجني من الماضي؟

 

هو الذي لم يمتْ

فعاش ميتاً

وهذا اسمُهُ يرثُ الموتى.

 

، حرّفوه وناموا، فلمْ يبقَ منْهُ سوى أخطائه.

 

خرج في نهار ليس لأحدٍ معرفة به

وكان يبتسمُ لأعدائه

ويعلـِّقُ مفاتيحَ مملكتِهِ

في رقبةِ ثورِ الموت.

 

حقولُ ألغاز غافلة تعبرني،

وأنا مفخـَّخٌ كالهُدوء،

وهادئ كالفخّ.

 

، واقفونَ وفي أيديهم ذكرى الأبد

على ان نهراً مُنتحراً،

أعادَ أزهارَ الإعتذار لأبطال الفوات،

وسوى ذلك،

حرائقُ مستمرَّةٌ تنْحتُ حياتهم.

 

رصاصٌ مُهشَّمُ الأسْنانِ،

تتطايرُ رائحتـُه،

ظلال خُـوَذٍ مثقوبةٍ تنهار،

مسدسٌ أعمى يتلفـَّت ببكائه،

ميت يسهو فيستردُّ أخطاءه بسرعة.

 

كان أنكيدو مُجنـَّداً

في كتيبة الدبابات الحادية والسبعين

في اللواء المدرَّع الثاني والخمسين.

 

يسمُّونـَهُ ولا يقفون،

وما زالَ يتسلـَّل

من أخطاء تائهة.

 

أكان عليَّ ـ دائماً ـ

أن أسجن ظلـَّي

لأصل قبل أن يتكرَّروا فيَّ؟

أكان علي أن ألـوِّنـَهُ،

لكي يعبروا، منه إلي؟

 

طرقٌ مفضيةٌ إلى بريدٍ نائمٍ

كاد يعود إلى نسيانـِه،

هم يُرسَلونَ إليه،

لأنهم ينامون بلا بريد.

 

الهاربُ من حروبٍ قديمة

دلـَّـني على جثـَّةٍ لا تعود لأحد،

ذلك أن جميع مَن جاءوا،

تعرَّفوا عليَّ حالاً.

 

وما تركوني،

غير أنني أضعت الكلامَ

وكان وجهي يحارب.

 

أحصيتُ مَن تَركوني،

فَوجَدتُ أَنـَّـني،

سأكلـِّمُ ـ لاحقاً ـ

كَثيْراً مِن الموت.

 

وها أنا أقفُ على ضفة أخرى

ولو نودي عليهِم ـ بصوتي ـ

لاسودَّت أكفانهم.

 

لأجل هذا

 يبيضُّ صوتي،

وهو يعبرُ أمامَ العميان.

 

لم يكن لنا،

فلماذا نسمِّيه؟

أمِنْ أجْـلِ أن نعودَ إلى نهار ضال؟

 

وكانوا على ظلال السلالم،

يعبرون

تقودهم سلاسلُ من نـُعاس.

 

، يهربون

يتبعهم طريقهم إلى روائحهم الراكدة،

ويدفنون خيالاتهم،

قبل أن يصل الوقت.

 

، وجوهٌ شاغرةٌ

لا تستدلُّ على التائهين في النوم،

وجوهٌ

يجرجرها رمحٌ ضريرٌ

إلى حبر غامض.

 

قلبي تعضُّه رسائلُ مرَّةٌ

ودليلي إليك عمايَ الأكيد.

 

، أهذه بلادي؟

بلادي التي لم أرها ولم تغنِّ باسمي

كنتُ فيها، وكانت تحاصرني فـيَّ

فاخترتـُها،

لكي أتكاثر خارج الظلّ.

 

 

 

إجــازته

 

 

 

نصفُه نومٌ

ونصفُه نهارٌ مثـْقـلٌ بالمشاغل،

يرى الأشياء هاربةً فينام.

 

شكـُّه مسدساتٌ مُشتقَّة من الخوف،

واحتجاجه صراخ أعرج،

ومصدِّقوه،

حفـَّارون في ليلٍ مؤلل.

 

قُبورٌ هاربة تحِنُّ إلى أزهاره الحائرة،

إلى أمطاره الضالة،

قبورٌ تهربُ تحتَ سماءٍ تـُشبهها.

 

ينظـِّفُ الموسيقى من هواء أجشّ،

يدخل مُسرعاً،

وبنظـَّارة تحتال،

يُصغي إلى فضلاتٍ الهروب.

 

رسائله مـُرَّة

ويـُطيل أيامَه تحت شمس المتوسِّط.

 

كَمَنْ يسْـتولي على الانتظارِ كلـِّه،

يعتقلُ أيـَّامه ويخْرج حُرَّاً،

لأنـَّهم، كلـَّما نادوه،

سمعوا نـُعاسَه فسبقوه إلى النوم.

 

يوصي:

أمطاره تتعثـَّر في الطريق،

يصل منها نعاس

وخيوطها العمياء.

 

ممسوس كظلٍّ،

وواضح كالغرباء،

أيـَّامُه تـُسمـِّمُ ذكرياتٍ لا أوَّل لها.

 

كان ثالث اثنينِ معه،

أحدهما ينصتُ بيد أن الغابة تعْبُرُ بينهما،

بيد أن أشجاراً تنعطفُ، ونهاراً يتأسفُ،

وأحدهما تركَ عينيه عند جسر طويل،

وعاد ينصت بيدَ أن الغابة.

 

 

 

ساعته

 

 

 

 

أعطاها لغيره، لينسى مواعيده مع الله،

وكانتْ يدُه تؤلمه،

كلـَّما اهتزَّ قلبُه بينَ فَخذيْ أنثى.

وغيرُه صارَ راكضاً إلى مواعيدِ ساعته،

ـ وكانا يلتقيان عند نسيانٍ متلاحق ـ

وما أنْ انتحر الأخيرُ وسافر الأوَّل،

حتـَّى بقيتْ ساعة يدوية

تنتظرهما في يدِ جندي مفقود.

ينام، وتحلـُمُ عنه، وتغلق الباب أيضاً!

وفي الصباح تغْسل وجهها نيابة عنه

وتفرِّشُ أسنانها، ثمَّ تخرجُ،

بينما لا يزال في السرير،

معْتقداً إنها ما زالت نائمة قربه.

 

 

نظـَّارتـُهُ

 

 

 

رَجَمَ بها البحـْرَ عنْدما تذكـَّر إنه ميتٌ،

وعاد إلى صحرائه بلا ذكريات،

فالتقطتـْها نـُسورٌ قديمة الأحلام،

وشاهدتـْه سماءٌ مسـْجونة في زجاجه الأعمى،

لم يلتفتْ ـ في طريق عودته ـ إلى مآله الحائر،

حيث خارطة النـَّدم، تشنُّ هروباً على جهات الحواس.

لم يفركْ عينيه ليصدِّقَ إنـَّه بيـْن أعداءٍ ذوي أرواح مُقـَنـَّعة،

كان يـُغـْمضُهما ليصِلَ بإشاراته المنـْسيـَّة إلى وجهـِهِ.

ومنـْذُ ذلك الوقت إلى أيامه تلك،

صارَ كلُّ ما حولـَه يتخفـَّى ـ مُسرعاً ـ تحت وقـْتِه الهارب

وصار ـ هوـ يُمطرُ نسياناً كافياً لإيواء عراةٍ مذْهولين

بعد انسحابٍ موبوء.

 

 

جواز سفره

 

 

 

أوصوه،

أنْ يوثقَ ظلـَّه إلى جبلٍ ينهار،

ووعَدوهُ بما خلـْف البحار

مِنْ سواحلَ مَنـْذورة لأقدامه،

وبأنـَّه سيجْهشُ تحتَ أشجارها

حتـَّى يبيضَّ جمـْرُهُ

ثُمَّ يصـْمتُ

حتـى يستعيدَ صرخَته،

 وبأنـَّه سيسـْهرُ

حتـَّى يـُمطرَ النـَّهارُ في عباءة أمـِّه،

وعندما اصطدمتْ ـ على خرائطهم ـ فُصولـُه،

حَـصَدوا أشجارَ نـَومِه،

فكانَ فجـْرُ دكاكينهم.

 

 

وصِيَّـتـُه

 

 

 

، إلاّ إنـَّه يموتُ وكفـَّاه مُقـْفلتانِ،

بلا أخوةٍ يشبهونـَه ولا ما يذكـِّرُ به من أعداء.

 

، إلاَ أنـَّهُ يعضُّ أحلامـَهُ وينام،

كي تنطقَ جثـَّة مصابة بالنسيان.

 

يصلُ،

قبلَ أنْ يبدِّلَ الفجـْرُ حرَّاسه.

فيطول،

كنخـْلة مرَّة أوصتْ بظلالها،

ويسْتديرُ،

كلـَّما أومأتْ مرْوحَة!

 

أمامَ عماهُ

يتحشـَّدُ الغُرباءُ

بخرائطـَ ممحوّة،

وينـْعَسون.

عودة الى محمد والذين معه