بانتظــــــار الغَاْئب

ـ في ارتكاب الندم ـ

[قالَ هذا فراقُ بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليهِ صبراً]

قرآن كريم

 

[أفضلُ العبادة الصمتُ وانتظار الفرج]

شاهد   العهد المغلوب

سيرة  الغَاْئب عن حياته

 

 

 

تـَطْريزٌ على غبارٍ داكنٍ

 وأنَّـكم زوال  في لغتي 

 

أنا،

بينما فاصلتان تضيقان على

ميمٍ حيٍّ مُمَـدّدٍ على حَيَاْة مستأجرة.

 

كما تقفُ الغجريـَّةُ  في عيدِ ملابسها

الحَيَاْة تساوم الزبائن المؤجّلين.

 

بين سوادين أعزلين

الْكَلاْم خراب أخضر.

 

تماما كما لم يحدث

الليل يُـتأتئ بين سوادِ الزناجيل،

وفي النهار

يبطئ  المحكي في النزول من اللافتة.

 

أمـِتـْها

اللحظةُ سرعان ما تـُهزم في تأجيلها

أمتـْها

الغيمة امِرْآة في الثلاثين  تحاولُ العبورَ مني

أمتها،

بينما بريدٌ كاسدٌ يعيـِّط في المنفى.

 

أبعدَ من حياتي

الذِكْرَيَاْت تهمشُ شعرَها

بينما أسندُ رأسي إلى ندمي

وأتذكر.

 

بقي القميصُ على حبل الغسيل،

نائما على طفولتي،

وهكذا استمررْتُ

في علاقة مشبوهةٍ مع جنوبيةٍ في الثلاثين.

 

أحْلاْمي تتكلـَّمُ

فتستردُّ سوادَها

على سريري الَّذِيْ لم أنـمْ فيه،

أعتقد  الحَيَاْة وأسكت.

 

أحْلاْمي كذلك تنزلُ من الباص

وتتلقى الرسائلَ

ليس الا مغزل التاريخ

يبرمُ أصنامَـهُ على فخذ أيَّاْمي.

 

 

1

 

في السادسة والعشرين وهو يهتمُّ حالياً بإنكارِ حياتـِهِ  وتعليمِ أيَّاْمـَهُ  حرفةَ الغيابِ كي يغادرَ الآخرين  اسمَه الَّذِيْ لا يدلُّ على أحدٍ، سوى أنه وأيَّاْمه يتكُلَّمَاْن منعزلين عن الحفل وهو الَّذِيْ طردَ الحقيقةَ من بابِ الكنيسةِ وعانقَ انتحاراً ناقصاً، البقيـَّةُ منه تغازلُ انتظارَ الباص في حيـِّز مؤجل.

 

2

 

الذِكْرَيَاْت الميـتة أفقدتني متعة العدم، النقود في جيبي فترة منسية، سائق الباص أخبرني بذلك، كذلك صديقي الَّذِيْ نام أكثر من       

ألف ليلة في ملحق الحَيَاْة التامة أعاده الماضي بسيارة أجرة إلى منزله.  

   

3

 

ثمة ما يتبقى من الْمَوْت، ربما شهوة ناقصة تفشل في لمِّ ضجة الذهب المسفوح، ربما الذِكْرَيَاْت تثرثر فوق سيارة الإيفا، حياتي كذلك  تثرثر في نداءات غسيل الملابس، وحمام الأسواق، في مكالمات الهواتف العمومية ومقاهي الأقليات الصغيرة.

شطارة  الشقراء في الحب أوسع من سواد بريدي المرهق.

 

4

 

في النهار الَّذِيْ لم يحدث أكمن في الْكَلاْم الَّذِيْ لم أقله، إيضاح مرتفع عليّ  أن أجتازهُ لأَُعانقَ التأويلَ ،كذلك نسياني، تسقط من جيبه ألفُ الفعلِ، لم أمتلكْ نسياني فأحِّدثَ عن حياتي، وبلا ذِكْرَيَاْت لأندم .

[ المحوُ َبعْد أن أكملَ التحقيقَ في هروبِ ميتٍ  كان يقرأ في دفتر كتبوا فيه غيابي ]

 

5

 

أحمل في الأسواق جثة الميراث، وخلفي النادمون يفركون عيونهم، وسبع  نساء نادمات يخضبن ألسنتهنَّ من رمادي،

لهذا أجَّـل الميت هويته واستولى على صورة النسيان.

أيتها الحَيَاْة يا أرملتي

6

 

الشمس التي فوقي تماماً لا أجدها، الشمس التي اسودت على رأسي، تدعوني إلى البحث عنها، فألاحقها عند أبواب المنازل في منعطفات لا تؤدي إلى طريق، ألاحقها في دليل الهاتف، ألاحقها في متاحف الآثار وشركات المقاولات، ألاحقها في محلات بيع الأحذية أو أنساها في المصاعد العاطلة، ألاحقها في المواعيد غير المعلنة والْكَلاْم الأرمل، أما الجُنُوْن الَّذِيْ خرج من البناية فلا نص له

 

 

7

 

يدي التي لا أمتلكها، تلوح لأيَّاْمي التي تسافر في حَاْفِلاْت الطرق السريعة، يدي التي أصفف بها شعري لن أشير بها إلى القبر حتى أمتلك جثتي، يدي التي تنام على الطاولة لن أطلقها في جنون الرَبِيْع.

 

 

8

 

لأقول ما أجهل، علّي أن أدع المحكي يرطن بين رصيفين منشغلين بالسكوت، وأقمار تخرج من المستشفيات فيتجمع على طعنها ثلاثة مصابين بعاهتين مختلفتين، الجُنُوْن أيضاً حين خرج من المكتبة، هرول خلف يده التي سرقتها إحدى موظفات السياحة.

مواطنون من جنسيات شتى يحتفلون بتأبين أيَّاْمهم في ساحةٍ مؤجَّرةٍ إلى ميت يعقد صفقة مع حياته في المنفى.

 

9

 

إنها باريس التي لم يزرها خليفة توفيق، الَّذِيْ نسي إحراق جثته قبل أن ينتحر، فكان أن استولى عليها أحد الفارين من قوافل النذور.

 

 

10

 

أستيقظ من حياتي على صفارة الإنذار فأبحث عن حياتي في السفن المحطمة قرب متحف الحاضر، أبحث عن حياتي في عيون  تحش ضجـَّـتي  في أبد الانتظار، أبحث عن  حياتي قرب وردةٍ تطلق الرصاص على أيَّاْمي وجنوني المتراكض في شارع الحمالين، لم أهرب من بين يدي الحلاق من أجل أن أرى حياتي بنظارةٍ تلوح للفقهاء المصطافين في الشمال السويدي أو المؤجلين في قلعة "بجمجمال"

 

 

11

 

حياتهم تخلتْ عنهم نهائياً، أو، حياتهم مدعوَّةٌ إلى حاضرٍ يستمرُّ في المحو، وأدناه منهجُ الفعالياتِ الإنسانيةِ طيلةََ عام ٍ من الحَيَاْة .

(ج)  خليفة توفيق / انتحر ببندقيةِ حراسةٍ  كان يحْرس حياتَّهُ طيلةَ عام من الحرية (المستودع صيف 1988.)

 

ج صبيح نعمة داغر/  كان  ينهق تماماً في الحادية عشرة من اليوم الأربعين (القلعة  آب 1989)   

ج  / حكمة فهران فاضل/ حلق شاربيه قبل السباحة في نهر الزاب (آغجلر تموز 1989) 

 

12

 

سأقول ما أجهل تاركاً للغةِ أن تحررَ متعتها من سياطي، ألون الأفعال بالرغبة  كي أحكَّ سواد أغلالها وأهدُّ السياج  بين الطبيعة والتاريخ نهر =. رأسٌ يدهده من جبل ولا يصدق حامل الراية كَيْفَ بعد أن وقعتُ في السكوت أنطق خارج ما أقول والنهر ما زال يتراجع عن جثث من أسموه موتاً؟  من يحرس المتعة حتى نهوض البغل الأبيض؟ من يجهز الهواء بالأقفال حتى يمنع المطرودين إلى مجدهم من تقبيل الضجة على أحزمة العاريات  ؟

 

 

13

 

حياتي أميةٌ، فمن يدلني على خطأ واحد يبرر لي قراءة ما يحدث وكتابة ما لم يحدث؟ من يدلني على سبب واحد يبررُ لي أن أستجوب امِرْآة كَيْفَ لم أصادفها قبل أن أخرج من حياتي ؟

 

14

 

الحَيَاْة أرملة أبوس حرملها وأترك وردة معاقبة على سوادها،  أجتاز أحد عشر مستوراً وأعلق احتجاجي على عنق تمثال لا ينحني، لكنه يتذكر.

 

15

 

أغطية النوم المنشورة على الحيطان تستيقظ، مصاطب الانتظار في الساحات الخالية تستيقظ، شبابيك بعد منتصف الليل تستيقظ، التنور على السطح يستيقظ، تستيقظ أكواب الشاي المنكفئة وصحون الطعام، السفن المحطمة هناك تستيقظ أيضاً، مطابع الْمَوْت تستيقظ، المدافئ النفطية في الخيمة القريبة من طريق الحَاْفِلاْت تستيقظ بينما تنام حياتي.

 

16

 

خارج حياتي، احلم بالبريد الَّذِيْ يروض الْوَحْشَة والمنحدرات التي تقدم الاعتذار للغيوم، خارج حياتي أتكلـَّم عن مزيد من الرَبِيْع الَّذِيْ قوس الفضة، وخلفه سلاسل الرماد تقتاد أحد المحاربين إلى الاعتراف.

 

17

لا غرباء في القاعة كي تتعرف حريتي عليَّ، أجلس قرب متعة العدم،  فأرى المختلفين كلهم خاسرين كلهم ينتظرون أمطارا ذهبية من جلد المقتول كلهم مرسلون حتما إلى الطواحين يرزمون تحتها الأيَّاْم ليعيشوا رحلة تمت وينسوا أصابعهم إلى السياج الَّذِيْ قسم البيت وكنت هناك.

 

18

 

سقوف المنازل كلها، وهواء المدن المنسية خلف نار الماضي، السَّمَاْء المقنعة بالمتعة وكذلك الأيَّاْم التي ترزم الوصية، لا تصرف الضيف الماكث في الكُلَّمَاْت المعادية. أطرديه أيتها القطط التي تسعل حجرا أيها السكون الجائع ليس إلا محارب عتاده الذكرى فحاصره أيها النسيان المشع.

 

19

 

خزائن الأحْلاْم مهددة بالانتحار، فادفعها أمامك، مثل برميل أبيض أو مثل عربة أسلاك صنعتها في الطفولة، واترك الهواء المغتصب لسكاكين الحرية العمياء، اترك لها مصيرها الفردي واختر نظارة سوداء أو زرقاء، وقفازاً ملوناً وقبعة معقوفة وعصا تنشُّ بها الحاضر وادخل حياتك العانس.

 

20

جميع من لم أتعرف عليهم متهمون، بي من كاتب الادعاء في غابة بَيْضِاْءَ إلى كاتب الشاهدة، لا استثني متنزها في يخت بالْبَحْر المقفل ولا منتحرا بالعطالة في مصارف الرَبِيْع.

 

21

 

كم تتغير الأسماء في متاحفك أيها الْكَلاْم؟ ما نفع هذا كله ؟ ونحن رماد الآلة التي تكنس ما نحصي من أحْلاْم ندهناها في أول اليتم؟ ما نفع الندم أمام المرايا التي تعاقب المنتظرين ؟

 

22

 

بسيطة هي الفوضى: راية منفردة قرب نهر الخازر تحتها ينام الثأر رأسه شرق وقدماه غرب بينما ينحني الشريط الجائع بين حيلة المصورين وجمعة الأحْلاْم .

 

 

23

 

اللحظة صورة احفظها في إطار العدم، والفراغ جدار، بينما أحْلاْمنا شريط اسود يبروز الزاوية.. كل هذا لأبرئ الفرات من الغرقى والخريف من المنتحرين والنِّسَاْء من الغابة، لم كل هذا ؟

 

24

 

ليختلط اللغز، وتنفض الطيور غبار دموعها، ولتنم مقاهي المواعيد القصيرة ولتسافر قوارب المتأخرين عن المعارك والمصحات التي تنتشر في ظلام حياتنا. ليختلط اللغز ولكن مقابل ذلك لي أن أقول ماذا تحت لسانك أيها القصاب؟

[القصاب يطلق غاز حياته على نزهة السطوح ويعلب المطر النادم. ]

 

25

 

 

الْمَوْت خبزا آكله لأكتب الحَيَاْة، الحَيَاْة أفضحها في الأنفاق، أو البنايات المعزولة. الْمَوْت حافلة اصعدها لأصادف النسيان يحاور النِّسَاْء في ندم اسمه الحَيَاْة.

 موظفة الإحصاء المثيرة كانت تنظم شهادة وفاة باسمي عندما غازلتها، هي لم تسمع كُلَّمَاْتي وأنا قرأت في شهادة الوفاة اسمي.

[ لم اكتبها إنها حياتي]

 

 

26

 

في العام الثامن من السنة الماضية، ابنتي التي لم تولد تتذكر: المستشفيات التي تسافر في القطارات،  القطارات التي تغادر المستشفيات، المستشفيات التي ترمم الحَيَاْة، الحَيَاْة التي تخرج من المطار بلا جواز وهكذا إلى آخر الذِكْرَيَاْت .

  

 

بغداد ـ سليمانية   1989  

عودة الى غير منصوص عليه