( واستعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب )

الإمام علي

(نم لتراني فإنك تراني، واستيقظ لتراك، فإنك لن تراني )

النفري

(الحرف يعجز أيخبر عن نفسه فكَيْفَ يخبر عني)

النفري

 

العودة إلى الحاضر

[في ارتكاب الحَيَاْة]

 

 

 

الربيع حاضر في متحف النسيان

لأول مرةٍ منذ، أول مرةٍ، أقف هكذا بين فصول ثلاثةٍ، لأول مرةٍ،

منذ أول مرةٍ أستيقظ من الليلة التي هربتها امِرْآة من النوم، لأقف صباحا أمام [مِرْآة]،وللتوِّ اكتشفتُ علاقة بين [امِرْآة] و[مِرْآة] يبدو أن الألف الَّذِيْ تبتدئ به [امِرْآة] يحن دائما، إلى الالتصاق بنفسه، منعا للتكرار وإلغاء للتباعد، لذا فهو يتحد مع الألف الثاني ليصبح (هو الَّذِيْ يشبهه) تاركا للميم التي هي قبل ليس لأن تبدأ الخلق.

 

وقد يكون ذلك سببَ وقوف [امِرْآة] أمام [مِرْآة] في غرفة مظلمة محاولة إيجاد صلة بالجدار أو قد يكون، سبب وقوفي أمام [مِرْآة]

قبل قتل [امِرْآة] لا تساعدني في ارتداء سترتي وربطة عنقي تدعوني إلى الوقوف أمام [مِرْآة].

 

هذا ما أقوله بلا تحريف، أقصد دون أن أضطر إلى إحصاء المطر الَّذِيْ لامس شعري، منذ خروجي من المنزل، إلى خروجي من المنزل، هذا ما أقوله دون أن أسمح للذكرى بالاتساع في عيني امِرْآة تبكي ولا تملك منديلاً، دون أن أتاكـَّدَ من توديع أصدقائي، على لافتة لم تذكر الْمّقْهَىْ الَّذِيْ جلسنا فيه، ولم أتذكر.. هذا ما أقوله دون أن أنظر للغراب، وهو يطير من مظلة معدنية إلى هواء مثقوب، ويهشم صباحه من أجل فك احتشاد الْكَلاْم على مكان لم يكن.

 

 

إذن أستطيع التوصل إلى محنة الطريق التي أجَّرتْ ظلـَّها عكـَّازاً للبيوت، لكن الطريق ـ في كل الأحوال ـ ليست عكازاً. إذن دخلتُ إلى فترة ميئوس منها لاحقا، أقنعتي تبكي، يداي تشتبكان خلف ظهري، والسَّمَاْء واطئة جدا.

 

بكيتُ حين انتبهت إلى وجود نافذة ثالثة في البيت، تطل على مقبرة مسيجة بخيل ميتة، بكيت حين انتبهت إلى وجود كرسي بثلاث أرجل فوق السطح، فتذكرت أنني لم أغف على كرسي منذ سنوات.

 

 

مفقودة أعمارُنا في الذهاب إلى معسكرات العزلة ومزارع الإنتظار، مفقودون في إعلانات منسية ينقلها هواء رثٌّ إلى اليابسة، وليس ثمة ما يصلح للحديث سوى التخلي عن وصاياي بأتلاف مندل أسود، وصورتين لي قبل أن أتكرر، ومرثيات لا تعني أحدا، لذا سأتحدث عن رغبة بعمر سيدة تعرض أسنانها للهواء، وتغازل نظارة الفقيه الَّذِيْ يتنازل عن الشارع القادم. ليس كل ما أقصده بريئا. ثمة ما أتولى إرجاعه إلى نبتة أعرفها وحدي، هناك، في خدعة الغيمة التي تستجدي اللبن من المهاجرين.

 

لم ينطق المذياع ولم أتخل عن رغبتي

سأقف واحداً من ألف، مع هذا أستأثر بالغيمة

الهواء يتجمَّدُ، السَّمَاْء ما تزال واطئة، وأنا أحتلُّ موتَ مَنْ أخطأ

اليوم التالي في الأسبوع! أجساد محددة ضد تأجيلي، أرض تدفعني إلى أرض، تدفعني إليها، قبل أن أتأكد من وجود المنشفة فوق كتفي، والماء في الحنفية.

 

[يزيدون على الخمسين، لكنهم واثقون من كذب العدد]

[يقلون عن الخمسين، لكنهم واثقون مما يحدث]

الصباح سيد، ونحن ماهرون في تمجيده، لم نمجد بقية اليوم في فرشاة الأسنان، ومعجون الحلاقة، في ترتيب القبعات أمام مرايا تبحث عن مرايا.

لا وصية من الموقع التالي،

نكسنا أحْلاْمنا حين مررنا أمام الذِكْرَيَاْت،

مزيفون في الطريق، كأننا نستعد للتصوير،

مزيفون في الاعتذار لأعداء ضعفاء.

مزيفون فوق بطون النِّسَاْء اللواتي حلمنا بسواهنَّ.

 

[لكثرة الأحذية في المدخل، أحدنا لمع جزمة سواه، ونام حالما بحَاْفِلاْت خلف الأسلاك الشائكة تنتظراسمه.]

في الإجازة التالية، حتما سأنام مع الشابة الأمية السمينة)

 

إبدأ هناك، لكي تتأكد من نمو أطرافك ووصولها هنا،الأحد اتسع ليشمل سلما قديما صادفت عليه ولدي، الَّذِيْ كان سيأتي، في عيني زوجتي التي أوشكت أن  أمسها، لكن السَّمَاْء، كانت تتكوم صفراء على السلم، لن أكمل الصعود، مع هذا فالطريق المؤدي إلى السلم أصفر، اللافتة التي تشير إلى امتلاء الْمّكَاْن صفراء، لابد من تأكيد الاستئذان قبل الانصراف إلى توديع الأصدقاء والحَاْفِلاْت التي تتوجه إلى غبار يتوجع من قسوة النار.

 

ليس تماما إنَّ الَّذِيْن مكرت بهم بغيابي، يستأذنون ظِلِّيْ للوصول إلي، ليس تماما أن مقعدي في الْمّقْهَىْ المخدوع يتسلل من تحت لاعب النرد والضابط الْقَدِيْم، ليس تماما أن الخبز الساخن والبيض المقلي، يفشلان في التعرف علي بعد إسبوع، ما  يظنُّ الْمَسَاْء؟

سأبقى أتردد على جهة، بها سأنهي تسمية هؤلاء، بها سأطلق حلمي خلف ما نسيت توريطه بالتخلي عن صداقة الأجراس، ما يظنُّ الْمَسَاْء؟ لست سفيراً لدى حاضري، لكنني أستطلع أحْلاْم المحاربين، وأوافق على أن الَّذِيْ يتساقط من الحَاْفِلاْت ما هو إلا وشاية المقاعد بالجالسين، أوافق أيضا على أن المصافحة السريعة في شارع مكتظ أشد براءة من توريط الْكَلاْم في تأكيد غربتنا، أوافق على أننا نترك على المقاعد كرهنا لمن يأتي.

 

إذن تأمل هذا رَبِيْع غَاْئب تماما يستدرجني لوراثته، ومع هذا، أقرأ في الْمَسَاْء الصُّحُف التي لا تصدر في الصباح، ومع هذا أكون مستعدا للنظر إلى وجه يحاول سرقة حياتي مبكراً، وما يهم؟ لست مصغياً إلى سرير يهرب أحْلاْمه من نافذة تطل على الجحيم،

ما يهم ؟ حريتي أبعد من طريق الحَاْفِلاْت المحملة بأحْلاْم نائمة وأحْلاْم تعتني بشعرها، وتضيق ما بين حاجبيها بانتظار أن أتذكرها قبل غد الخميس، ما يهم لو تركت في نقطة التفتيش صورة قتيلي للقبض عليه بشبهة الاختفاء؟

أعود إلى أحْلاْمي، ليست التي تعتني بشعرها، لكنْ أحْلاْم الضيفة التي لم تستقر على الأرض بما يكفي للتعرف عليها، أحْلاْم منتصف النهار، ومقهى العاطلين عن الدراسة، أحْلاْم، صباح العيد الباكي على السعادة. لم أصحبها في سفرة مدرسية، لكنني سرقت حقيبة متاعها، لأكون أسفها ، لم أرد عليها التحية لأكون دهشتها،

أعود إلى السرير، ليس الَّذِيْ أنحني ببصري أسفله، كل صباح بحثا عن كلام لم أشأ قوله لكن السرير المجاور للباب الَّذِيْ تدخل منه رسائل حريتي العرجاء، السرير الَّذِيْ يحملني قريبا من الآن، هذا السرير تساءلت في لحظة، هل هو سيد أم عبد؟ لماذا هو؟ لماذا نحن؟ لماذا أسحبه بعد الظهر كحصان بينما يكسب المتفرجون السباق؟ لماذا أحْلاْم والسرير بالإضافة إلي؟ أحْلاْم ليست السرير الأبيض، ليست الأحمر، بل السرير الَّذِيْ حين تتدلى من نهاية أصابعي، يقرضها كلام الحرس الليليين،

وهكذا أقيم في الْكِنَاْيَة، في الحجارة الذهبية التي شجت جمجمة لم      

تزل تبتسم ،أقيم في الْكِنَاْيَة، في مشهد بلا شاهد وخريف يصفق للعميان.

[السر نصيحة الْمَوْتىْ للذين يقدمون الاعتذار للكلام في حفل صامت.

بعد الظهر لي ما يؤجّلني .السير تحت نوافذ مغلقة مثلاً]

 

 

صعب هو الخروج من كلام يختار شكله، صعب إصغائي إلى حوار وردتين فوق نار يائسة من الانتشار، وفي الغروب، أكاد أمنع يديَّ عن ملامسة الأشياء، ثمة ما يتخلى عن زيارتي عندما أكون محتفلاً بتغيير عاداتي البسيطة، فالنوافذ هذا اليوم مغلقة، ولكي أتحرر من نبوءة لا تحدث، عليّ أن أربي خطئي بعيدا عن الذِكْرَيَاْت، عليّ أن أخون كل المتزوجات بغفلة مني، عليّ أن أحلق رأسي، وأسير حافياً وبنظارة وأقول  لم أجد الوردة في معنى الحوار، ولم أجد الحوار في تراجع الاسم عن معناه.

[مفقودة أعمارنا بين زوار يسكنون الذِكْرَيَاْت.]

 

أنامل طويلة، تضغط على طاولة يغطيها شرشف أبيض، بينما الستائرتحل النطاق عن خصر النهار، وعند الغروب،أحتاج إلى ما يخصِّص الغيمة، ولهذا أصعد إلى السطح، لعل حبل الغسيل المشغول بعدّ الأشخاص، ينتظر أمي ، لتصعد عند الغروب لجمع الغسيل، لعل صنبور المياه في طرف الدار ـ الَّذِيْ طبعت عليه أصابع أمي ـ يحتاج إلى تجديد، لعلَّ جارتنا المطلقة، لا تجد أين تودع أطفالها قبل الذهاب إلى السوق.

 

[ أعزل من النوافذ هذا الْمَسَاْء.]

وكل النوافذ التي تطلُّ علي وقفت بها،  حتى رأيتني وأنا ألهث خلف عربة بائع النفط في شارع قديم، رأيتني وأنا أجمع كلاما لنسوة يثرثرن في طريقهن إلى مجلس عزاء، رأيتني، وأنا أزور قراءة رسالة لامِرْآة جميلة من زوجها الغَاْئب منذ بضعة أيَّاْم، رأيتني وأنا أصعد تلة في الطريق إلى المدرسة، بحثاً عن خاتم امِرْآة قتلت في الليلة الماضية..

 

[السياج الأخرس، ذلك الَّذِيْ يستمع كثيرا لفضائحنا، هل يستطيع حماية الذِكْرَيَاْت من الْكَلاْم]

 

الأربعاء لي، ولاشيء عن أيَّاْمكم، رأيت الغيمة قبل عشر سنين، ولم يتزوج الحصان قلعة محاطة بالعبيد، اليوم، قبل عشر سنين، خسائر ثابتة وأنت تتستعين، فخٌ  أبيض يستدعي  ظلامي الْقَدِيْم، والنهار خاص جدا، وأنت تتكاثرين، فتناديني الشبابيك الواطئة في الشارع المؤدي إلى منزلنا، تناديني نوافذ الباصات ذات الطابق الواحد وتتعرف علي أسيجة المدارس المهدومة  من وسطها، تتكاثرين فأتزوج التسميات، وأضرب موعداً في العام الماضي لطفلك الَّذِيْ يتكون من عماي المتنقل في الساحات المزدحمة والكليات، ومجالس العزاء .

 

(نرسل في البريد أعيادَنا، لتحتفظَ أيدينا بالمراثي عِنْدَ مصافحة الفرحين).

الآن أين، والجنوب أعزل من وشاية الرَبِيْع، الجنوب عتمة بَيْضِاْءُ تستقر في ذاكرتي الجنوب جميع أراملي العانسات الجنوب فترة مهزومة إلى ساحل عاطل، الجنوب كفن أسود،لمحاربي القرى المستترة، الجنوب شابة تلتذ بانحنائها على زرع ميت، الجنوب ادلة محجوبة على أن الغمية شقيقة للغيمة وتصغرها بسبع سنوات الجنوب غابة من نهار محايد وعلى اقتسامها مع الرَبِيْع، الجنوب صحراء، وألأفعى مرتين، وفي الْمَسَاْء أعلن الطوفان وأطلق الحمامة التي تستقر على مقبرة ولا تعود ومع هذا، أستيقظ في السادسة، أحلق ذقني، وأسرح شعري، وأرتب ربطة عنقي وأخرج لملامسة الفرح وتسمية الأشياء التي لم تولد.

 

الشتاء رف ساقط، وأنا أشم معطفاً من السنة المقبلة، كَيْفَ أستقر خارج الْبَحْر الَّذِيْ يتنزه فيَّ، وأنا أدعو إليِّ الصحارى التي لم تحض بعد، والَّذِيْ يرتدّ إلى الذِكْرَيَاْت،

 

(مزعج أن نجيء معا إلى فراغ ناقص وأن نقيم تحت سماء معادية)

في العام التالي، لن أكون فاشلا في تذكر القدم المقطوعة التي تعود إلى وجه ينزل مهزوما من السيارة.

 

أوائل 1988

عودة الى غير منصوص عليه